كما قال رسول الله (ما أحل الله فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عفو فاقبلوا من الله عافيته فإن الله لم يكن لينسى شيئا).
ويترتب على هذه القاعدة ان الأصل هو حرية الإنسان. فالجريمة امر عارض في حياة الإنسان لذلك كان الاصل فيها العدم ، والعدم يقين ، وهذا امر مبني على اليقين لأنه اصل ، و(اليقين لا يزول بالشك) واليقين لا يزول الا بيقين مثله أي أن الأمر المتيقن ثبوته لا يرتفع إلا بدليل قاطع ، ولا يحكم بزواله لمجرد الشك . كذلك الأمر المتيقن عدم ثبوته لا يحكم بثبوته بمجرد الشك، لأن الشك أضعف من اليقين فلا يعارضه ثبوتا وعدما.
واليقين هو الإدراك الجازم الذى لا تردد فيه ، أما الشك فهو مطلق التردد. بمعنى اخر أن الإنسان إذا تحقق من وجود الشئ ثم طرأ عليه بعد ذلك شك ، هل هو موجود أم لا.فالاصل أنه موجود وتدخل هذه القاعدة في جميع أبواب الفقه ومن ادلة القاعدة قوله تعالى.
( وما يتبع أكثرهم إلا ظنا إن الظن لا يغني من الحق شيئا)
كما ان اليقين أقوى من الشك ، لأن في اليقين حكما قاطعا فلا ينهدم بالشك . وهذا دليل عقلي . ويتفرع من هذه القاعدة الكلية عدة قواعد منها:
1_ الأصل بقاء ما كان على كان ،أي لزوم حكم دل الشرع على ثبوته ودوامه.
2_ الأصل براءة الذمة أي أن الإنسان بريء الذمة من وجوب شيء أو لزومه، وان مشغولية ذمته تأتي خلاف الأصل. قال الرسول الكريم.
( البينة على المدعي واليمين على من أنكر )
فالمدعي متمسك بخلاف الأصل ولذا تلزمه البينة .ومن تطبيقاتها العملية ، من أدعى على شخص مالا لم يلزم المدعى عليه أن يحضر بينة لآن الأصل براءة ذمته مما ادعى عليه . وعلى المدعي أن يحضر البينة حتى يحصل ما ادعاه.
3_ما ثبت بيقين لا يرتفع إلا بيقين فمن عليه دين وشك في قدره لزمه إخراج المتيقن به براءة للذمة .ومن شك هل طلق أو لا ؟ لم يقع الطلاق ، لأن النكاح ثابت بيقين ولا يرتفع إلا بيقين . هذا في إطار الحكام الشرعية وأحكام المعاملات ومن هذه الأصول المتقدمة استنبط الفقهاء المسلمون افتراض براءة الجسد من الحدود والقصاص والتعازير ، واستخلص .من هذه القاعدة أيضا، القاعدة الدستورية الجنائية
(لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص). اما في نطاق القانون الجنائي الاجرئي وقياسا على ما تقدم فان الاصل في المتهم البراءة ولا يزول هذا الأصل إلا بيقين أي بدليل قاطع.
التفويض التشريعي في إطار مبدأ قانونية الجريمة والعقاب
إذا ورد مبدأ قانونية الجريمة والعقاب بصيغة(لا جريمة ولا عقوبة إلا بقانون أو بناءا على قانون ) فهذا يعني ان المشرع الدستوري قد اجار للسلطة التشريعية ان تفوض السلطة التنفيذية صلاحية خلق جرائم وعقوبات بصيغة أنظمة أو تعليمات (لوائح) تنفيذا لقانون صادر من السلطة التشريعية وفي حدود هذا القانون . وإذا كانت الدساتير تجيز التفويض في اطار التجريم والعقاب ، فانها لا تجير التفويض في اطار الاجراءا الجزائية ، والعلة في ذلك ان التفويض في اطار التجريم يمكن ضبطه في حدود معينة لا تؤثر على جوهر الحرية الشخصية للفرد ،اما اذا فوضت السلطة التنفيذية صلاحية وضع انظمة وتعليمات ولوائح إجرائية فان ذلك سيمس جوهر الحرية الشخصية للفرد خاصة وانها غالبا ما تدخل في خصومات مع الأفراد وتفويضها سلطة وضع قواعد إجراءات التقاضي سيكون ولا شك سببا لتحيزها لنفسها تحت غطاء حجج وذرائع شتى وفي مقدمتها الادعاء التقليدي المرن (مقتضيات المصلحة العامة ) مما يؤدي الى هدر المباديء العامة التي يقوم عليها قانون الأصول ومنها مبدأ اصل البراءة .
كما ان التفويض في مجال القانون الإجرائي يمس استقلال القضاء كونه هو المعني بتطبيق تلك الاجراءت.
وفي ضوء ما تقدم لا يجوز للمشرع ان يفوض اختصاصه في مجال تحديد قواعد الإجراءات الجنائية إلى أية سلطة أخرى، وأي تفويض من هذا القبيل يكون مخالفا للدستور.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire